+
أأ
-

د.عامر سبايلة يكتب :- من المراقبة إلى المواجهة: الأردن يعيد رسم قواعد الاشتباك جنوبا

{title}
بلكي الإخباري

 

مع تحرّك سلاح الجو الأردني وإعلانه تنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي السورية، يكون الأردن قد أعلن بوضوح انتقاله من دائرة المراقبة والمتابعة إلى مربع التحركات الوقائية والخطوات الاستباقية.

 

 

صحيح أنّ هذه ليست المرة الأولى التي ينفّذ فيها الأردن ضربات داخل الأراضي السورية، إلا أنّ الضربات السابقة يمكن تصنيفها ضمن عمليات مرتبطة بمسائل محددة، مثل قصف مستودعات للمخدرات التي تغزو الأردن منذ سنوات، أو استهداف مواقع إرهابية لتنظيمات تنشط على الطرف الآخر من الحدود.

لكن ضربات اليوم تختلف جذرياً بالنسبة للأردن. فصحيح أن الحديث عن ضرب منابع تهريب السلاح والمخدرات باتجاه الأردن هو العنوان الأبرز والأوضح، إلا أنه لا يمكن إسقاط عوامل أخرى مهمة، في مقدمتها الجغرافيا المستهدفة وتوقيت هذه الضربات.

الجغرافيا التي تستهدفها هذه الضربات باتت، منذ سقوط النظام في سورية، جغرافيا سياسية بامتياز، أي أنه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن التحولات السياسية الحاصلة في المنطقة، مع بروز الورقة الدرزية والتطورات الأخيرة الناتجة عن الصدامات مع الحكومة القائمة في دمشق، ودخول إسرائيل على خط هذه المعادلة. لذلك، لا يمكن اعتبار أن الأردن قام بخطوات تقتصر على جانب تقني أو عملياتي مرتبط بالمخدرات والسلاح فقط، بل هي أيضاً تعبير عن موقف رافض لما يتم صياغته على الطرف المقابل من حدوده، والذي لا يمكن أن يمر من دون أن يؤثر عليه مستقبلاً، سواء في حال تشكّل إقليم درزي مستقل، أو دخول هذه المنطقة في مرحلة طويلة من القلاقل وعدم الاستقرار.

أما التوقيت، فهو بدوره يرتبط بقراءة واضحة لشكل التطورات المتوقعة وخطورتها في المراحل القادمة، مع اقتراب فتح المواجهة مع تنظيم داعش في جنوب سورية، وما يحمله ذلك من مخاطر قد لا تقتصر على مواجهة التنظيم فحسب، بل تمتد إلى ولادة تنظيمات متعددة، وانتشار السلاح، ودخول المنطقة في دوامة فوضى قد تستمر لمدد زمنية طويلة. وبالتالي، يمكن قراءة الهجوم الاستباقي الأردني على أنه رسالة واضحة للجميع بأن خيار الاشتباك والمواجهة خيار قائم وجدي.

وفي الوقت الذي يبعث فيه التحرك الأردني برسائل حازمة تؤكد أن الخيار العسكري بات في مقدمة أجندة الدولة الأردنية، لا بد من أخذ حقيقة أن هذه الرسائل تستبق أيضاً دخول جنوب سورية في مخاض بالغ الصعوبة. وهو ما يتطلب من الأردن الاستعداد لمرحلة طويلة من التأهب والمواجهة، مع تصاعد خطر انتشار الميليشيات، أو محاولات استهداف الجغرافيا الأردنية، إضافة إلى التداعيات السياسية التي لا بد من وضعها في الحسبان.

الأردن، الذي رفض حتى الآن التصور المتشكل للواقع الجديد في منطقة السويداء، وأصر على فكرة العلاقة المباشرة مع السلطة المركزية، حاول طرح مبادرة لمعالجة المشكلات المتفاقمة في السويداء، والتي ظهرت على أنها مبادرة لحل المسألة الدرزية، لكنها افتقرت إلى حضور طرفين أساسيين في المشهد الحالي: أولاً ممثلين عن الشيخ الهجري، وثانياً إسرائيل التي تحولت، منذ سقوط النظام في سورية، إلى لاعب أساسي في هذه الجغرافيا، تسعى إلى إعادة صياغتها أمنياً عبر وجودها العسكري والأمني، وسياسياً من خلال بناء تحالفات مع المكوّن الدرزي.

هذا الواقع يعني أن الموقف الأردني يتناقض فعلياً مع الرؤية الإسرائيلية في هذه المنطقة. وفي خضم الخلافات المتعددة حول العديد من الملفات، تبرز هذه المسألة باعتبارها الأخطر في المرحلة الحالية، حيث يجد الأردن نفسه في مواجهة شبه مباشرة مع التصور الإسرائيلي لمستقبل الجنوب السوري. ما يفرض على الأردن الاستعداد لجولة محتملة من التصعيد السياسي مع إسرائيل، خاصة إذا قررت الأخيرة تبنّي سياسات أكثر حدة تجاهه، باستخدام أوراق ضغط حساسة، في مقدمتها ملف المياه الذي بات أداة تطويع سياسي، وربما لاحقاً ملفات الغاز والكهرباء، فضلاً عن احتمال وقف التنسيق الأمني والاستخباراتي، في وقت تستعد فيه مناطق الجنوب السوري لدخول مرحلة أمنية معقدة، بالتوازي مع التصعيد المتوقع في الضفة الغربية، والذي قد يدفع باتجاه تصدير الأزمة الفلسطينية إلى المحيط الإقليمي