"نيويورك تايمز" تطرح أحد أكبر التحديات التي تواجهها حكومة الرئيس الانتقالي في سوريا

نيويورك: نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يوضح كيف أن الحكومة السورية الانتقالية تواجه أحد أكبر التحديات في المرحلة الراهنة والمتمثل في إعادة بناء الجيش بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد.
وفي تقريرها المطول، تقول الصحيفة: "عندما وصل المتمردون في سوريا إلى السلطة قبل عام، كان من أوائل أعمالهم تسريح جميع القوات العسكرية في البلاد والتي استخدامت لمدة خمسة عقود كأدوات للقمع والوحشية تحت حكم بشار الأسد وعائلته".
وتضيف: "الآن، يتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الناشئة في إعادة بناء تلك القوات، وهو جهد سيكون حاسما في توحيد هذا البلد الذي لا يزال يعاني من الانقسامات".
وأشارت إلى أنه من أجل تحقيق ذلك، يتبع القادة الجدد في سوريا خطة عمل مشابهة لتلك التي استخدموها لتشكيل حكومتهم، والتي اعتمد فيها الرئيس أحمد الشرع على دائرة ضيقة من الموالين.
ويفضّل الهيكل القيادي الجديد للجيش المقاتلين السابقين من جماعة الشرع المعارضة السابقة، حتى على أولئك الذين قد يمتلكون خبرة أكبر، وفقا للعديد من الجنود والقادة والمحللين.
ولم تضمّ الأقليات الدينية بعد إلى الجيش، على الرغم من أن سوريا بلد متنوع دينيا وعرقيا، وقد شهد بالفعل موجات من العنف الطائفي.
ووفق الصحيفة الأمريكية، تقوم وزارة الدفاع السورية بتطبيق بعض أساليب التدريب نفسها، بما في ذلك التعليم الديني التي استخدمتها جماعة الشرع المتمردة السابقة لتصبح الأقوى بين جميع الفصائل التي حاربت نظام الأسد خلال الحرب الأهلية السورية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنها أجرت مقابلات مع نحو 20 جنديا وقائدا ومجندا جديدا في سوريا، ناقشوا التدريب العسكري وأبدوا مخاوفهم.
وتحدث معظمهم شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لأن وزارة الدفاع تمنع الجنود من التحدث إلى وسائل الإعلام.
وذكر العديد من الجنود والقادة بالإضافة إلى المحللين، أن بعض قواعد الحكومة لا علاقة لها بالاستعداد العسكري.
وأبدت القيادة الجديدة حرصا شديدا على بعض النقاط، مثل حظر التدخين على الجنود أثناء الخدمة، لكن في جوانب أخرى، قال الجنود إن التدريب بدا منفصلا عن احتياجات القوات العسكرية الحديثة.
وفي ربيع العام الماضي، عندما وصل مقاتل سابق يبلغ من العمر 30 عاما إلى محافظة حلب شمال سوريا لتلقي تدريب عسكري، أبلغ المدربون نحو 1400 مجند جديد أن التدخين ممنوع، وقال المقاتل السابق إن أحد المدربين فتشه وصادر عدة علب سجائر كانت مخبأة في سترته.
ودفع الحظر عشرات المجندين إلى الاستقالة فورا، وطرد عدد أكبر لتجاهلهم له، وفقا لما ذكره أحد الثوار السابقين، وهو رجل نحيل كان يدخن بشراهة أثناء حديثه في مارع وهي بلدة في محافظة حلب.
وأضاف أنه بعد ثلاثة أسابيع، لم ينجح سوى 600 مجند في إتمام التدريب.
وصرح المتحدث بأنه فوجئ بجوانب أخرى من التدريب، حيث أفاد بأن الأسبوع الأول خصّص بالكامل للتعليم الإسلامي، بما في ذلك محاضرة استمرت ساعتين ونصف الساعة عن مولد النبي محمد.
ولفت جنود وقادة إلى أن التدريب الديني يعكس الأيديولوجية السنية المحافظة التي تبنتها "هيئة تحرير الشام" الفصيل المعارض السابق الذي كان يتزعمه الشرع، عندما كانت تسيطر على إدلب شمال غرب سوريا.
ويثير هذا الأمر تساؤلات حول مدى الترحيب بالأقليات الدينية والعرقية في مثل هذا الجيش، ومدى تمثيله لتنوع المجتمع السوري.
وفي السياق، صرح مسؤول دفاعي سوري طلب عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله بالتصريح علنا، بأن الحكومة لم تحسم أمرها بعد بشأن السماح للأقليات بالتجنيد.
ويخشى أن يؤدي استبعادهم إلى تفاقم التوترات الطائفية في سوريا التي اندلعت بالفعل في عدة موجات من العنف الدامي خلال العام الماضي.
وأفاد العديد من الجنود والقادة والمجندين بأن قادة سوريا يعتمدون على دائرة صغيرة من الرفاق الموثوق بهم من "هيئة تحرير الشام" لقيادة وتشكيل الجيش الجديد، بدلا من اللجوء إلى أولئك الذين يتمتعون بأكبر قدر من الخبرة، بمن فيهم آلاف الضباط الذين انشقوا في ظل نظام الأسد.
ولم ترد وزارة الدفاع السورية على قائمة مفصلة من الأسئلة أو على طلبات متكررة للتعليق.
وبعد إلغاء التجنيد الإجباري الذي كان مكروها بشدة في ظل نظام الأسد، قام الجيش الجديد بتجنيد المتطوعين ووضع مؤهلات مثل التعليم في الصف التاسع واللياقة البدنية والقدرة على القراءة.
لكن الجنود الذين قاتلوا مع المتمردين في الحرب الأهلية تم ضمهم إلى صفوف الجيش، حتى لو لم يستوفوا جميع المعايير، وفقا لعدد من الجنود والقادة.
ويمتلك مقاتلو "هيئة تحرير الشام" السابقون شأنهم شأن مقاتلي العديد من الفصائل الأخرى، سنوات من الخبرة في حرب العصابات التي خاضوها للإطاحة بالأسد، إلا أن معظمهم لم يخدموا كضباط في جيش نظامي ذي فروع مختلفة كالبحرية والقوات الجوية والمشاة، وبهياكل قيادة صارمة، وهي معرفة تُعتبر مفيدة عند إعادة بناء جيش.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن افتقار الجيش للسيطرة على قواته وضعف الانضباط بين جنوده ساهم بالفعل في اندلاع أعمال عنف طائفية، مما أدى إلى تقويض علاقات الحكومة مع الأقليات.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن قوات تابعة للحكومة أو داعمة لها متورطة في بعض عمليات القتل.
وفي هذا الصدد، صرح العقيد علي عبد الباقي قائد أركان الكتيبة السبعين في دمشق، وهو من بين القادة رفيعي المستوى القلائل الذين لم يكونوا أعضاء في "هيئة تحرير الشام"، بأنه لو كان مكان الشرع لبنى الجيش الجديد بالطريقة نفسها.
وقال العقيد عبد الباقي الذي قاد جماعة متمردة أخرى أثناء الحرب الأهلية خلال حديث من مكتبه بدمشق: "لن يخاطروا بالتعامل مع أشخاص لا يعرفونهم".
وأكد ضابط انشق عن سلاح الجو التابع للأسد وانضم الآن إلى الجيش الجديد، أن المعيار الأساسي للترقية هو الولاء، ونتيجة لذلك غالبا ما يتفوق المقربون من الشرع وجماعته السابقة في الرتب على الضباط العسكريين السابقين ذوي الخبرة.
وبين الضابط المنشق أن العديد ممن قادوا كتيبة القوات الجوية السورية الجديدة لم يكونوا على دراية بتسلسل الرتب العسكرية.
وأضاف أنه تم تعيين قائد أكثر كفاءة بعد شكواه هو وضباط آخرين، لكن ذلك لم يحدث إلا بسبب الطبيعة المتخصصة للقوات الجوية.
وفي علاقة بالملف، قال بعض كبار القادة إن التعليم الديني كان محاولة لبناء التماسك من خلال الإيمان المشترك، وليس وسيلة لفرض أيديولوجية محددة على المجندين الجدد.
هذا، وحذر قائدان آخران من أن السماح للأقليات بالانضمام إلى الجيش بعد حرب أهلية وحشية ذات طابع طائفي، سيكون بمثابة إشعال برميل بارود.
وعارض آخرون ذلك، مؤكدين أن إنشاء جيش يعكس تنوع سوريا من شأنه أن يبني الثقة بين الأقليات ويساعد في منع العنف الطائفي.
وفي ختام تقريرها، تفيد الصحيفة الأمريكية بأن وضع الموالين للرئيس الشرع في مناصب قيادية يصعّب أمر دمج "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا وتتمتع بهيكل تنظيمي داخلي قوي.
وتجري هذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة، مفاوضات منذ أشهر مع الحكومة بشأن دمج الجيش، دون إحراز تقدم يذكر.
كما حذر بعض الجنود من أن تدريبهم يفتقر إلى أي تركيز على قوانين الحرب، باستثناء إخبار المجندين بتجنب الخلط بين جميع الأقليات وجرائم عدد قليل من الأفراد.


















