+
أأ
-

سورية تعاني كارثة مائية تاريخية

{title}
بلكي الإخباري





أينما توجد المياه توجد الحياة، لذا تسعى الدول لتأمين حاجتها من المياه لتضمن لشعوبها البقاء. من هنا، قد تكون حروب المياه حروب المستقبل، ولكن مع هذا، تتعدى دول على حصص دول أخرى ضاربة المعاهدات الدولية عرض الحائط عبر بناء السدود والقنوات وإنشاء البحيرات الصناعية، ما يعد خرقاً للقانون الدولي واستخدام المياه كسلاح للأضرار بالدول الجارة، وهو ما تمارسه تركيا الآن ضد سوريا والعراق، ببنائها السدود على نهري دجلة والفرات، ما يهدد البلدين بنقص حصصهما من المياه ويؤدى إلى الجفاف وزيادة نسبة التصحر وتغيير طبيعة المنطقة بيئياً. وتواجه الموارد المائية في سوريا عديداً من التحديات، وتتقاسم كلاً من الأنهار الرئيسة في البلاد مع دول الجوار، وتعتمد سوريا إلى حد كبير على تدفق المياه من تركيا عبر نهر الفرات وروافده، أضف إلى ذلك ارتفاع معدل النمو السكاني، وعوامل التلوث، على سبيل المثال، منطقة الغوطة قرب دمشق، التي تعد من أخصب بقاع العالم، وكان القدماء يعدونها من عجائب الدنيا، تشهد استنزافاً لمياهها الجوفية، إضافة إلى غياب السياسات المائية وضعف المؤسسات، وتركزت تلك السياسات على بناء السدود، وتطوير الزراعة المروية والتحويلات "interbasin" في بعض الأحيان، كمد خطوط أنابيب لتوفير المياه الصالحة للشرب، إضافة، وعلى وجه التحديد الحرب الدائرة منذ ما يزيد على 10 سنوات، والتي أدت إلى تدمير مرافق المياه في أنحاء البلاد، وهذا ما شكل تحدياً للحصول على مياه صالحة للشرب لملايين الناس في أنحاء سوريا.





تعذر الحصول على مياه صالحة للشرب





في تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر نشر في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يقول إن سوريا تعاني نقصاً في مياه الشرب بنسبة تصل إلى 40 في المئة عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فقد أدى النزاع المستمر منذ أكثر من 10 سنوات إلى إعاقة إمكانات الحصول على الخدمات الأساسية إلى حد بعيد، بما في ذلك الوصول إلى المياه الصالحة للشرب. وقبل عام 2010، كان 98 في المئة من سكان المدن و92 في المئة من المجتمعات الريفية يتمتعون بسبل موثوقة للحصول على المياه الصالحة للشرب. أما اليوم فيختلف الوضع اختلافاً شاسعاً عما كان من قبل، إذ لا يعمل سوى 50 في المئة من أنظمة المياه والصرف الصحي بشكل صحيح في مختلف أنحاء البلاد، وإن آثار النزاع المستمر المباشرة وغير المباشرة، أدت إلى تضرر الأنظمة من جراء العنف، وتعذر إجراء الصيانة المناسبة، وفي بعض الحالات، فقدت المرافق ما بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من الموظفين الفنيين والمهندسين للمحافظة على استمرار تشغيل هذه الأنظمة.





كما غادر الكثيرون البلاد، وتقاعد آخرون من دون أن يتمكنوا من تدريب أبناء الجيل الأصغر سناً ونقل ما اكتسبوه من معرفة إليهم. وترتبط الأنظمة المحلية التي تقدم الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية ببعضها، وأي تعطل في إحداها يؤثر على الأنظمة الأخرى. فعدم وجود الكهرباء يعرض الحصول على المياه للخطر، بينما تتأثر المرافق الصحية سلباً. وتعتمد البنية الأساسية العاملة لإمدادات المياه برمتها على الكهرباء في سياق تنخفض فيه قدرة توليد الطاقة بنسبة 60 في المئة إلى 70 في المئة. وأدت ندرة المياه إلى تفاقم حال عدم الاستقرار، لا سيما في المناطق التي تأثرت بشدة من جراء النزاع مثل شمال شرقي سوريا، وهي منطقة لا تزال تستضيف عدداً كبيراً من النازحين داخلياً الذين فروا من المناطق المتضررة من الأعمال العدائية، إضافة إلى اللاجئين من العراق منذ أمد بعيد، والنساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل من أكثر من 60 بلداً في المخيمات مثل مخيم الهول.





جفاف نهر الفرات





وينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق. من تركيا إلى سوريا فالعراق، يغطي النهر 2800 كيلومتر، ويلتقي في العراق بنهر دجلة ليشكلاً معاً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج. وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي، إضافة إلى سد البعث في محافظة الرقة. ويغطي السدان الطبقة وتشرين 90 في المئة من حاجات شمال شرقي سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.





عام 1987، وقعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسوريا 500 متر مكعب في الثانية كمعدل سنوي، لكن هذه الكمية انخفضت بأكثر من النصف منذ أوائل 2021، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين. ويحذر مدير سد تشرين حمود الحماديين منذ 13 عاماً من "انخفاض تاريخي ومرعب" في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999. ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحماديين بالمنسوب الميت، ما يعني أن تتوقف "العنفات (توربينات) بشكل كامل" عن العمل. وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين الذي نبه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر، وقال، "نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية".





سوريا تعاني كارثة مائية





في بحث نشره مركزAtlantic Council" " بعنوان "سوريا تعاني كارثة مائية، وستستمر"، نشر بتاريخ 25 فبراير (شباط) الحالي، يقول في مايو (أيار) 2021، انخفض تدفق نهر الفرات في شمال شرقي سوريا إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، مما تسبب في أسوأ موجة جفاف منذ عام 1953، وينقل عن الحماديين تحذيره "من تراجع تاريخي ومخيف في منسوب المياه"، نظراً لأن هذا النهر هو المصدر الرئيس للمياه للزراعة والاستهلاك المنزلي وإنتاج الكهرباء في شمال وشرق سوريا.





ويهدد الانخفاض الكبير في مخزون المياه في سدود الطبقة وتشرين والبعث على نهر الفرات على الإنتاج الزراعي على أكثر من 475 ألف فدان (200 ألف هكتار) من الأراضي المروية، وفقاً للبحث، وفقد المزارعون المحليون 80 في المئة من محصولهم. وفي محافظة الحسكة، أكثر من 90 في المئة من سلة الخبز في البلاد.





يذكر أنه منذ آلاف السنين، رعى نهر الفرات وأكبر رافده، نهر الخابور، الذي يمر عبر المحافظة، بعض أقدم المستوطنات الزراعية في العالم، لكن الأنهار تجف.