+
أأ
-

نضال المجالي يكتب :- البلاستيك لا يختفي بالنوايا الحسنة

{title}
بلكي الإخباري

 

 

في صباح عادي، وقف سائح يجهز هاتفه لالتقاط صورة. خلفه جبل، وأمامه شارع، وبينهما وطن. ضغط زر الكاميرا، لكن شيئا صغيرا تسلل إلى الإطار: كيس مهملات عند الرصيف. لم يُفسد الصورة فقط، بل طرح سؤالا أكبر: هل هذه الصورة تشبه الأردن الذي نعرفه؟

 

وفي يوم ما كنت من شارك في عدد كبير من الحملات التطوعية على شواطئ العقبة، كانت الصورة مثالية: قمصان موحدة، لافتات تحمل شعارات جميلة، ووجوه شابة متحمسة تريد أن تفعل شيئا صحيحا لهذا الوطن. بدأت الحملة بنية نظيفة، وانتهت بأكياس قمامة ممتلئة.. وبمئات عبوات الماء البلاستيكية الفارغة التي تُركت على عجل، أو جُمعت لتُرمى لاحقا في المكب ذاته. عندها فقط، يفرض السؤال نفسه بهدوء قاس: هل نظفنا المكان، أم بدلنا شكل التلوث؟

بين السؤالين والموقفين لنعلم بإيمان كبير أن الأردن أنظف من هيك، لكن الطريق إلى النظافة لا يُقاس بعدد الصور ولا بعدد المشاركين، بل بعمق الوعي بالأثر. فحين تتحول حملات النظافة إلى مصدر تلوّث إضافي، نكون قد خسرنا الفكرة، حتى وإن ربحنا المشهد. 

البلاستيك الذي ينتج ويستورد أو يُوزّع بسخاء قد يساوي، أو يفوق أحيانا، ما يتم جمعه من نفايات خلال الحملة أو العام نفسه. هنا، لا يكمن الخلل في النوايا، بل في التخطيط.

القضية ليست بسيطة وقبل أيام قليلة أكد سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني أن الانشغال بالقضايا الكبرى لا يبرر إهمال الأساسيات، وعلى رأسها ملف النظافة. وهذه الرسالة تتجاوز المعنى التقليدي للنظافة، لتصل إلى جوهر الإدارة الواعية للمبادرات. فالنظافة ليست فعلا لحظيا، بل منظومة تبدأ قبل الحملة - واقصد أي مبادرة- ، لا أثناءها فقط، وتنتهي بعد مغادرة آخر متطوع أو عامل للمكان.

الاهتمام الملكي النابع من خلق تربوي وتعاليم الدين الإسلامي بالبيئة والمشهد العام يضع الجميع أمام مسؤولية مضاعفة: أن نرتقي بالعمل، لا أن نكرره بالشكل ذاته. الدولة بدورها وضعت الأطر القانونية، وفعّلت الرقابة، وطوّرت إدارة النفايات، وجهود وزارة البيئة لا تتوقف، لكن سلوك الأفراد اينما كانوا تبقى مرآة الوعي المجتمعي. وحين تفتقر سلوكياتنا أو تعايشنا للوعي بالأثر الناتج عنها على النظم البيئية والمنظر العام، فإنها تُضعف الرسالة وتلغي الأمل بمستقبل اكثر جمالا.

ومن لم يرغب أن يكون جزءا من جمال الصورة ليس المطلوب منه أن يلتقط نفايات الطريق أو المشاركة في الحملات أو عدم شرب المياه بعبوات بلاستيكية، بل إعادة التفكير في الكيفية. بأن يتوقف عن إلقاء النفايات من مركبته أو تركها في مناطق تنزه أو أن يرميها للأسف بجانب حاوية منزله بدل داخلها. هذه ليست أفكارا وسلوكيات معقّدة، بل أساسيات بسيطة العمل والإجراء تليق بجمال الوطن وتعكس شكل منفذها.

ولنعلم أن الشركات والمؤسسات شريك للنجاح وجمال الصورة وتتحمل دورا محوريا. فالمسؤولية المجتمعية لا تعني وضع شعار على قميص، بل ضمان أن الأثر البيئي إيجابي من البداية إلى النهاية. كما أن الجهات جميها مطالبة بقياس الأثر، لا الاكتفاء بالإعلان عنه.

في النهاية، الصورة التي نبحث عن التقاطها ليست للكاميرا فقط، بل للتاريخ. الأردن أنظف من هيك، لأنه وطن يعرف أن التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق الكبير، وأن الحفاظ على المكان هو أول أشكال الانتماء، وأصدقها وما نحتاجه فعلا إجراءات رادعة وأذكى. تفهم أن الطبيعة لا تُخدع بالصورة، وأن البلاستيك لا يختفي بالنوايا الحسنة.

*مفوض البيئة والسياحة السابق في سلطة العقبة