+
أأ
-

د.يزن شمايلة يكتب :- فوضى الألقاب.. مأساة الإعلام في زمن الأدعياء.

{title}
بلكي الإخباري

 

رغم اجتيازي امتحان نقابة الصحفيين وعَمَلي خمسة عشر عامًا في مؤسسات إعلامية… لم أَدَّعِ يومًا أنني صحفي أو إعلامي

المؤلم في المشهد الإعلامي اليوم ليس غياب الكفاءات، بل ضجيج الأدعياء.

أصوات مرتفعة، حسابات فيسبوك نشطة، بث مباشر هنا ومنشور هناك، ولقب “إعلامي” يُمنَح ذاتيًا كما تُمنَح الألقاب في حفلات التنكّر.

لم تعد المشكلة فيمن يكتب، بل في لماذا يكتب؟

ولمن؟

وبكم؟

أصبح الإعلام عند البعض موسمًا للارتزاق، لا رسالة، وسُلّمًا للمصالح لا مهنة.

منشور بعشرة دنانير، موقف بخمسين، حملة تشويه مجانًا لمن يرفض الدفع.

اليوم يمدح، وغدًا يشتم، وبعد غدٍ يدّعي “الحياد” و“المهنية” وكأن الذاكرة العامة مصابة بفقدان الذاكرة الانتقائي.

والمفارقة الساخرة أن من لم يفتح يومًا كتاب أخلاقيات الصحافة،

ولا يعرف الفرق بين الخبر والرأي،

ولا يفرّق بين النقد والتشهير،

يتحدث بثقة الخبير، ويُحاضر في المهنية، ويمنح صكوك الوطنية والخيانة حسب المزاج والظرف.

أما من أُتيحت له منبرًا أو برنامجًا أو موقعًا،

فحوّله إلى مكتب خدمات شخصية:

وظيفة لابن، توصية لقريب، تسهيل معاملة، ضغط على مدير،

وإن رُفض الطلب… تبدأ “الحملة الإعلامية” فجأة، ويُستَحضر شعار “الفساد” و“حق الجمهور في المعرفة” بعد أن كان غائبًا تمامًا.

هؤلاء لم يسيئوا للأفراد فقط،

بل قتلوا هيبة الصحافة،

وشوّهوا صورة الإعلامي الحقيقي،

وحوّلوا المهنة من مسؤولية عامة إلى مهنة من لا مهنة له.

الصحافة ليست كاميرا،

وليست ميكروفونًا،

وليست حسابًا موثّقًا.

الصحافة أخلاق، ومعرفة، ومسؤولية، وانحياز للحقيقة لا للأشخاص.

ولعل أكثر ما يثير السخرية السوداء،

أن من يملك أقل قدر من التأهيل هو الأكثر صراخًا،

ومن يفتقر للمعرفة هو الأكثر ادعاءً،

ومن لم يدفع ثمن المهنة يومًا هو أول من يتاجر باسمها.

إلى متى سيبقى الإعلام بلا بوّابة؟

وإلى متى تُمنح صفة “إعلامي” لكل من امتلك هاتفًا وإنترنت؟

وإلى متى يُترك الحابل بالنابل، فيما يُقصى أصحاب الخبرة لصالح أصحاب الصوت الأعلى؟

الصحافة ليست لمن يريد،

بل لمن يستحق.

وإن لم يوضع حدّ لهذه الفوضى،

فلن يبقى من الإعلام سوى اسمه…

وسيكتب التاريخ أن من أسقط هيبته

لم يكن خصومه،

بل من ادّعوا الانتماء إليه زورًا.